دروس وعبر في خضم الأحداث الجسام والكوارث الطبيعية التي قد تحل بنا فجأة، تتبدى لنا حقيقة ضعف الإنسان وافتقاره الدائم إلى قوة وسند أكبر منه. والزلازل، بما تحمله من قوة مدمرة وهول مفاجئ، تجعلنا أكثر إدراكًا لهذه الحقيقة، وتدفعنا بشكل فطري إلى البحث عن ملجأ وعون. في هذه اللحظات العصيبة، يبرز مفهومان أساسيان في ثقافتنا وقيمنا الدينية: المعوزة والتقوى.
المعوزة، في جوهرها، تعني الشعور العميق بالحاجة والافتقار إلى الله عز وجل. إنها حالة من التذلل والانكسار أمام عظمته وقدرته، وإدراك أن حولنا وقوتنا مهما بلغت فهي محدودة وعاجزة أمام قوى الطبيعة القاهرة. حين تهتز الأرض من تحت أقدامنا، وتتساقط البنيان من حولنا، ندرك بوضوح أننا لا نملك من الأمر شيئًا إلا اللجوء إلى خالق هذا الكون ومدبره.
هذا الشعور بالمعوزة ليس ضعفًا مذمومًا، بل هو قوة دافعة للتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع، وطلب العون والمدد منه. إنه اعتراف بأن الله هو القادر على كل شيء، وأن رحمته ولطفه هما الملاذ الآمن في وجه المخاطر. في لحظات الزلزال، تتلاشى الفوارق بين الناس، ويتساوى الجميع في شعورهم بالخوف والحاجة إلى الحماية، ويتوحدون في رفع أكف الضراعة إلى السماء.
أما التقوى، فهي حالة من الخشية والخوف من الله، تدفع المؤمن إلى الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، والسعي الدائم لرضاه. إنها ليست مجرد شعائر تعبدية، بل هي أسلوب حياة شامل يؤثر في سلوك الإنسان وعلاقته بنفسه وبالآخرين وبالكون من حوله.
إن الزلازل تذكرنا بضعفنا وقوة الخالق، وتحثنا على تعزيز شعور المعوزة في قلوبنا وتقوية أواصر التقوى في حياتنا. إنها دعوة إلى مراجعة علاقتنا بالله، وإلى التوبة والاستغفار، وإلى التكافل والتراحم بين الناس. ففي وحدتنا وتضامننا، وفي لجوئنا إلى الله وتقوانا له، نجد السكينة والعون في وجه هذه الابتلاءات.
نسأل الله أن يحفظنا ويحمينا من كل مكروه وسوء، وأن يلهمنا الصبر والقوة عند وقوع المصائب، وأن يجعلنا من عباده المتقين الذين يلجأون إليه في السراء والضراء.
Anbaa Aldelta انباء الدلتا