المسيح في الإنجيل
أما العهد الجديد ( الأناجيل) فلقد ورد فيها اسم المسيح بالاختصاص ليسوع
الناصري (عيسى ابن مريم ) ، وتجاهل كاتبوها المساء الأولين.
وبقي الاعتقاد دوما عند ذكر كلمة ( المسيح) إنه ( يسوع الناصري) ، فلقد ورد أن
يوحنا المعمدان قد عمد أو مسح (يسوع الناصري) في نهر الأردن. وهذا ما ذكرته
الأناجيل لبيان تعميد المسيح أو تأهيله، أو بيان بواطن نبوته، رغم رفض اليهود له.
لذلك فإن المسيح ليس اسما خاصا منفردا يطلق فقط على يسوع، أو عيسى ابن
مريم، ولكنها صفة اتصف بها الأنبياء السابقون الذين ذكرتهم الكتب، وذكرتهم
أسفار العهد القديم ( التوراة ).
وإذا كان الأمر كذلك فلم الإعلان دوما عن يسوع باختصار الاسم إلى لفظ
المسيح فقط دون إشارة حقيقية إليه هو من بين هؤلاء النساء ؟
في الحقيقة لا بد من تعريف الاسم الحقيقي للناس حتى لا تكون الصفة بالمسيح
اسما، فالكل يكتب عن المسيح.. المسيح.. المسيح.. ولا أحد يعرف أنه المسيح من
بين ماء كثيرين، وأن هذه صفة ولا بد من التعريف بصاحبها المقصود بعينه
فقد يكون المقصود بالمسيح من بين الماء كورش الفارسي عابد النار، وقد يكون
ولكن الأمر كان مقصودا من خلال النصوص التي قامت بالتعتيم على المسألة
و حمل مريم العذراء، فنرى في العديد من الفقرات أن كتبة الأناجيل قد خلطوا
الأفكار والمعلومات بغرض تشتيت الفكر: فبينما تذكر الأناجيل نسب الحمل إلى
الروح القدس، نجد النصوص تتجول في بعض الفقرات التنسب المسيح ابن مريم
إلى يوسف النجار، وسنعرض بعض النصوص التي توضح ما نقصده، ومن بين تلك
النصوص نص نسب المسيح في بداية إنجيل متى الإصحاح الأول، بداية من الفقرة
الأولى حيث يذكر قوله: (۱ کتاب میلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم: ۲ إبراهيم ولد
إسحاق. وإسحاق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا ) ( متى، ۲۰۱،۱).
ويستمر بإدراج النسب وتسلسله إلى قوله: (۱۹ ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي
ولد منها يشوع الذي يدعى المسيح) (متى، ۲۰۱،۱).
فبهذا النسب أضاع متى كاتب ذاك الإنجيل – منذ البداية – حقيقة نسب المسيح،
التتولد فكرة لدى القارئ مغلوطة الفهم والاعتقاد عن نسب المسيح ابن مریم، مما لا
يدع مجالا للشك في أن مسألة كون المسيح عيسى ابن مريم الناصري هو ابن يوسف
النجار رجل مريم – كما أشير إلى ذلك- هي مسألة مقصودة.
–
إيضاحات من النصوص لتبرئة مريم العذراء ويوسف النجار
لقد أضاعت النصوص السابقة نسب المسيح فيما بين يوسف النجار ومريم
العذراء البتول، فكيف ينسب المسيح عيسى (یسوع) ابن مريم إلى يوسف النجار؟
والأناجيل تقول إن مريم أثناء حملها بالمسيح كانت مخطوبة فقط ليوسف النجار،
أي إنه قبل الدخول بها- كانت تحمل ابنها يسوع (عيسى) في أحشائها.
نسبه إلى أمه ومكان ولادته
نے سفر ميخا من العهد القديم كانت الإشارة إلى ميلاده بالنص الآتي: (۲«أما
أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون
متسلطا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، من أيام الأزل». لذلك يسلمهم إلى حينما
تكون قد ولدت والدة) (ميخا، ۵، ۳۲).
ويدل القول السابق على أن هذا المولود سوف يكون من أمه وليس منسوبا إلى
يوسف النجار أو إلى غيره.
لذا فإننا نقول إن تحريف شريعة عيسى ابن مريم كان مقصودا منذ كتابة أول
الأناجيل؛ وذلك بكتابة نصوص ليست حقيقية لا من حيث المصداقية، ولا من حيث
النقل، خاصة أن المسيح لم يكتب الأناجيل ولم يأمر بكتابتها، وخرجت الأناجيل بعد
ستين عاما من تاريخ حادثة الصلب، واستطاع اليهود خلال هذه السنوات إخراج ما
يريدون إلى الناس لإبعادهم عن حقيقة الأمر بنبوة المسيح عيسى ابن مريم وعدم
كونه الها.
ثم يأتي الإصحاح التاسع والثلاثون من السفر نفسه ليقول: (۱ رأتغرق وقت ولادة
وتحول الصخور، أو تلاحظ مخاض الأيائل؟ ۲ أحب الشهور التي تكملها، أو تله ميقات
ولادتهن؟) (أيوب، ۳۹، ۲
:
۱).
كل هذه النصوص أتت لتحدث بني إسرائيل عن مولد الإنسان، حتى لا يعترض
أصحاب القلوب القاسية الحاقدة على الخلق، فعليهم أن يقبلوا آيات الله وخلقه
وعجائب قدرته
ومع ذلك لم يمنع أحبار اليهود في تلك الحقبة الزمنية إلى النبوءات في كتبهم،
حتى مع النصوص الصريحة؛ فنجد -مثلا- في سفر أيوب (۱ الإنسان مولود المرأة )
( أيوب، ۱۶، ۱) ويستمر النص ليوضح أن القصة في هذا الأمر تعني ما هو مشار
إليه باسمه: (الأن للشجرة رجاء ) ( أيوب، ۷۰۱۵).
ألم تكن هذه النبوءات في العهد القديم كافية لإعلام أو إخبار اليهود عن وقت
ء يسوع أو عيسى أو المسيح، فكل هذه الصفات في شخص ما بعينه، ألا وهو
مجيء
المسيح ابن مريم، ابن المرأة، وعليهم الإيمان به، فلماذا الرفض؟
لننظر كيف رفضه اليهود في كتاباتهم للنص وتعمدهم الإساءة إليه، فالنص
من إنجيل متى يقول: (50 أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب
وسي وسمعان ويهوذا؟ ۵۹ أولي أخواته جميعهن عندنا؟ فمن أين لهذا هذه كلها؟
۰۷ فكانوا يعثرون به) (متى، ۱۳، ۵۷:۵۵).
وكان المفروض أن يقوم كتبة الأناجيل بنفي ما سبق في نص لاحق على أنه ليس
ابن يوسف النجار، وأن أولاد يوسف النجار يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا ليسوا
إخوته، بل كان من الأمانة الحتمية إيضاح صفة المسيح في هذا السياق ونفي هذه
الشبهة عنه.
فهل الذي صلب عن البشر هو کرشنا في الهند؟
أهم بوذا في تايلاند؟
أم المسيح ابن مريم في فلسطين؟
أم أن الرب السماوي ضحى بابنه ثلاث مرات؟
وهل هناك آخرون سيصلبون جراء تلك الخطيئة ما دامت تخدم مصالح
اليهود؟
کار میاور علی علی ارم هی هم
ولأننا في كتابنا هذا بصدد المستلثانية وهي قضية الصليب التي لم تجد
إجابة يقينية طوال ما يزيد عن ألفي عام مضت؛ لأن أصحاب كل رأي يفسرون من
منظور كتبهم فقط دون الاطلاع على مكنونات وكتب الآخرين لفهم
المسألة برمتها۔
، فإنه يتوجب علينا الاقتصار على هذه المسألة، وإيضاح الأمر جليا
من
التي التي تشهد بما سنوضحه السودان للسيح لم ولم انها
كانتهنلمكلق بمحط من أحبار اليهود وذالك للوقت لتأخذ للسيحية
آخرغللنهأتت من أجله.
الم
است
بولرعي علم
ار
)
قم و هم همراه امام)
المقصود بالمسيح أحد المحاء الكذبة الذين أشارت إليهم النصوص. وقد يكون
المسيح داود أو سليمان عليهما السلام، أو غيرهم من الماء الذين ورد ذكرهم بنے
النصوص السابقة.
فلم لا نعرف المسيح باسمه وكينونته الحقيقية؟ کفی إخفاء المعالم الحقيقية.
فإما أن نقول المسيح ابن مريم، وإما أن نقول المسيح الناصري. وهذا هو عين
الصواب لتحديد هوية المسيح المشار اليه.
لماذا يسمى أتباع المسيح ابن مریم
نصارى في القرآن الكريم ؟
بأنهم
كما نتحرى الدقة في تسمية المسيح ابن مريم، علينا أيضا أن نعي مانقوله نے وصف
أتباعه، فلا نقول: هم مسيحيون، بل علينا تحري صفة أتباعه ووصفهم بالانتساب
إليه، كما أشار العهد القديم والعهد الجديد ما إلى هذه الحيثية، ولكن الصورة لم
تظهر واضحة إلا في كتب المسلمين بوصف أتباع المسيح ابن مريم وتمييزهم
نصارى (أي أتباع المسيح الناصري ) ، وإن كانت بعض الكتب والترجمات قد أغفلت
ذاك الانتساب، إن في ذلك إنصافا بانتساب أتباعه إليه، والا فقد يعتبر بعضهم أو
كلمة مسيحيين ترجع إلى الانتساب إلى أحد الماء الذين ذكرناهم، مثل المسيح
المسمى کورش، أو المسيح داود كأحد الفرق اليهودية، أو المسيح سليمان كأحد الفرق
السليمانية، وهي فرق تختلف عن بعضها بعضا في تفسيرات النصوص والتأويل
والأهداف المذهبية، أو الانتساب أيضا إلى أحد المسحاء من غير الأنبياء. مما
يفقد هم صحة الانتساب إلى المسيح الناصري.
وأن
لذلك فإن أصدق التسميات وأصحها وانسبها واصدقها أن يوصف اتباع المسيح
ابن مريم ب ( النصارى ) : ففي هذا إعادة الحق إلى أهله، فهي صفة مدح لاذم .
ماذا تعرف عن المسيح ابن مریم؟
– مولد المسيح واختلاف الأناجيل في نسبه
– إيضاحات من النصوص لتبرئة مريم العذراء ويوسف
النجار
– هل نسب المسيح في الأناجيل صحيح؟
نسب المسيح في الأناجيل يتناقض مع نسبه في التوراة
– نسبه إلى أمه ومكان ولادته
. حاخامات اليهود في العصر الروماني وعلمهم بميلاده
– التوراة تحذر اليهود وترشدهم إلى الإيمان به وعدم
رفضه
– ملامح بدايات الجريمة
ماذا تعرف عن المسيح ابن مریم؟
مولد المسيح واختلاف الأناجيل في نسبه
بينما نجد الاختلافات في مسألة مولد المسيح بدون أب، فإننا نقرأ من بين سطور
الأناجيل ما يشير إلى اتهامات خطيرة موجهة إلى شخصية مريم العذراء البتول :
فتارة تصفها الأناجيل بأنها كانت محلى من الروح القدس، وتارة ثانية تصفها وكأن
يوسف النجار – الذي تعهدها ليرعاها في تلك الفترة- هو أب المسيح والمنتسب اليه
ذاك الابن، بتلميحات واتهامات مبطنة لمريم العذراء ويوسف النجار، بدلیل نسب
المسيح ابن مريم إليه. وتارة أخرى تشير الأناجيل إلى أن مريم كانت حبلى من الروح
القدس وتتوقف عند هذا الحد، دون أن ترجع الأمر إلى الله.
والروح القدس في العهد الجديد يرمز إلى ملاك الرب (جبرائيل ) ، فإذا كان
الحمل من الروح القدس (وهم يقولون إن الروح القدس هو روح الله ) فما شأن
الملاك اذن؟
هل كان ذا نزوة – وحاشا له ذلك؟ أم أن من الأمانة بيان الحق في أنه مأمور من
قبل الرب، لتنتهي المشكلة بأن الأمر في هذا الله، وأن ذلك قد حدث بصفة منجزة
من الخالق سبحانه؟
فهل كان انتساب المسيح إلى يوسف من قبيل التبني؟
و إذا كان الأمر كذلك فهل يصح انتسابه إلى نسب الأجداد بوصفه مولودا
للمنتسب إليه؟؟
بالطبع لا يتوافق ذلك مع المعقول، كما لا يتوافق مع الشريعة السماوية، فإن كان
النسب بالتبني فلا يصح ذكر النسب إلى آباء يوسف النجار وأجداده، واذا كان
القصد مما ذكره كتبة الأناجيل أنه من الزنا فحاشا له ولمريم ذلك.
المسيح بوصفهم هذا لا
أن يكون نبيا حسب شريعة اليهود الا بعد الجيل
العاشر، وبالتالي إن قالوا إنه ليس بنبي وانه الإله المتجسد، وكانت الحجة في الحمل
منسوبة إلى الروح القدس – الذي اكتفوا بذكره فقط دون تبرير- ف
أن يوصف الرب بهذا الوصف، ولم تتجرأ شريعة على وجه الأرض على وضع هذه
الخلطة السحرية التي لا تخضع لقياس العقل والمنطق والتنزيه لذات الله.
يصح أيضا
حتى البراهمة والبوذيون لم يجرؤوا على تقديم هذا الوصف الخطير الذي إن
دل على شيء فإنما يدل على نوايا معينة مسيئة في مضمونها للذات الإلهية، ويتضح
ذلك منذ كتابة أول سطور الأناجيل.
وان كان المسيح ينتسب بالميلاد إلى مريم العذراء أي لأمه فقط دون أب ودون
الجماع، فهل يكون نسب المسيح في الأناجيل صحيحا أو دقيقا؟
هل نسب المسيح في الأناجيل صحيح؟
إن الحقيقة المدونة بين سطور الأناجيل ونصوصها صريحة رغم اخفائها من
قبل اليهود، الذين ضغطوا على كتبة الأناجيل ليكتبوا النصوص تحت سيطرتهم.
فالنصوص المؤكدة أن مريم بريئة مما اتهمها به اليهود تقول: (۱۸ أما ولادة يشوع
المسيح فكانت هكذا، لما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من
الروح القدس ) (می، ۱۸۰۱).
ولقد برأت النصوص أيضا يوسف النجار بالنص الذي يتبع النص السابق وهو
النص الذي يقول: (۱۹فيوسف رجلها إذ كان بارا، ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرا)
(متى. ۱، ۱۹).
وهذا مما يدل على صلاح الرجل، فلا يصح للرجل البار الصالح أن يفعل فاحشة
مع مريم، وقد وصفته النصوص في شخصه ببره وصلاحه.
وإذا كانت مريم العذراء – حسب النصوص – قد حبلت بالمسيح ابنها من الروح
القدس، فلم هذا التعدي على حق الانتساب إلى يوسف النجار، ولماذا لم تنسب
الأناجيل المسيح إلى أمه مباشرة وتذكر نسبها إلى أجدادها، فإن نسبها أيضا ينتهي
إلى أبناء هارون، وبالتالي سيصل النسب إلى الأقدمين من الأنبياء والأجداد؟ إنه
ستال توضح إجابته النية الحقيقية لكتبة الأناجيل.
نسب المسيح في الأناجيل
يتناقض مع نسبة في التوراة
لقد كانت البداية في كتابة نسب المسيح عليه السلام مبنية على نية مبيتة من قبل
صانعي الأناجيل إذن؛ لتشويه صورته من البدء، وإبعاده عن النبوة المشار اليها في
التوراة في سفر أشعياء:
(ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه « عمانوئيل) (إشعياء، ۷، 14).
ولم يذكر النص التوراتي نسبه إلى أب، وإنما اختص مريم دون سواها منفردة
بنسبة المسيح إليها دون تدخل أي رجل.
حاخامات اليهود في
العصر الروماني وعلمهم بميلاده
يدبر
لم تتوقف مسألة الفساد الفكري من قبل اليهود؛ فعلى الرغم من علمهم بقدوم
المسيح ومولده، فإنهم أرادوا به الكيد، فهم يعلمون حقيقة أنه المسيح المنتظر، وأنه
آخر أنبياء بني إسرائيل، وأنه سيولد في بيت لحم اليهودية، وسيكون الرجل النبي الذي
شئون بني إسرائيل، ويصحح المفاهيم الفاسدة لديهم، وسيرعی شعب إسرائيل.
ويتضح
مما
كتبه متى عن زيارة المجوس، يقول: (۱ ولا ولد يشوع في بيت لحم
اليهودية، في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم ۲ قائلين: «أين هو
المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنجد له) (می، ۲۰۱،۲).
لذلك فإن حدث مولده لم يكن سريا، ولكن الأمر كان واضحا جليا بما دلت عليه
إشارات النبوة السابقة في العهد القديم.
ذلك كله
ولأن الأمر كان خطيرا بالنسبة لأحبار اليهود في ذلك الوقت – فهم الذين كانوا
يملكون القرار الخاص بالشعب؛ لأنهم أصحاب الشريعة في زمن الرومان-، فقد
وجدوا أن الاعتراف به يمثل خطرا شديدا على مكانتهم، فبعدما أرسل إليهم رب
العزة زكريا ويحيى وقديسين كثيرين، استطاعوا التخلص منهم، وظنوا أن الأمر
قد انتهى لصالحهم، أتى إليهم رب العزة بالمسيح ابن مريم الذي ولد فيهم؛ ليكون
صاحب كتاب سماوي، وليس صاحب نبوة فقط، فكان بحق ذاك الرسول الذي
وتعد هم
ولكن هيهات هيهات، فلقد قتلوا يحيى وزكريا وبعض القديسين المؤمنين مثل
استيفانوس الذي أراد قول الحق فرجموه بالحجارة، فأراد الله أن يضعهم في
اختبار أخير: لعلهم يرجعون ويعدلون عما هم فيه من كبرياء وتحد للشريعة وقتل
للأنبياء.
وحان موعدهم في اللقاء الأخير مع المسيح ابن مريم ، ولأنهم اعتادوا الصدام مع
آيات الله ورسله، ومردوا على الجحود بما يأتيهم من بينات ورسل وأنبياء ، كان لا بد
لهم من موقف ضد المسيح الناصري أيضا ليقطعوا أصل الشجرة؛ لأنهم إذا ما تركوه
وهم يعلمون أنه سيكون ملك بني إسرائيل فلسوف يطيح بكراسيهم ومناصبهم التي
منحهم إياها الرومان؛ لمساعدتهم في السيطرة على الحكم ودوامه، والنص السابق
يوحي بمعرفتهم التامة بمولد المسيح، وأنه النبي الذي أشارت إليه كتبهم ونبوءات
الأنبياء السابقين من بني إسرائيل.
و لكن ما الذي حدث بعد علمهم بذلك؟
لقد أخبرنا النص الموجود في إنجيل متى بما حدث: (۳ فلما سمع هيرودس الملك
اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، وسألهم: «أين يولد
المسيح؟ فقالوا له ، في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي: آوأنت يا بيت لحم،
أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعی شعبي إسرائيل» .
لا حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا، وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ۸ثم أرسلهم إلى
بيت لحم، وقال: «اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني، لكي
آتي أنا أيضا وأسجد له.) (مى، ۲، ۸،۳).
ومن هنا يتبين أن هيرودس – المتهم بقتل يحيى بن زكريا- قد اهتم بالأمر، بينما
اليهود الخبراء في هذا الشأن، العالمون بالأمر، لم يكن لهم دور في الذهاب لاستقبال
هذا الحدث بفرح كما كان يفترض فيهم، فنحن نجد في النص المكتوب وضوح
السلبية التي لم تظهر رأيهم أو موقفهم من المسيح الذي من المنتظر أن يكون نیا
أو رسولا بينهم، ولكن الأمور سارت كما لو أن هيرودس دعا المجوس سرا حرصا
على مشاعر حاخامات اليهود في ذاك الوقت، الذين لم يكن لديهم الحرص على
استقبال هذا الرجل الموعود من بني جلدتهم (بني إسرائيل).
وهذا يتضح من انقلاب حال هيرودس الذي وضعه اليهود في مكان المعتدي دون
سبب؛ فلقد تبدل الأمر وظهرت حالة تؤكد أنهم من ورائها – تدبيرا ورأينا بالتأكيد –
هي أمر هيرودس بقتل الأطفال في بيت لحم من ابن سنتين فما دون ذلك، علما بأن
هذه الحادثة قد حدث مثلها في عصر فرعون، حيث أشار عليه الكهنة، وكان من
بينهم اليهود والسحرة العالمون بالكتب. وقد أشاروا عليه بقتل الأطفال أيضا من
ابن عامين فما دون ذلك؛ حتى يتخلصوا من النبوءة التي بشرت بقدوم موسى عليه
السلام.
وتكرار الحادثة تشير إلى حد بعيد إلى صانعيها، أو مرتكبيها ، ولو كان ذلك في
أزمنة مختلفة، ومما يؤكد ذلك أيضا ما سنراه ونقرأه في كتابنا هذا عن مكائد
اليهود المتواصلة ضد المسيح الناصري ابن مریم؛ من أجل الخلاص منه.
ولو كانت النية لديهم هي الإيمان به ما فعلوا هذا، ولكن النية لديهم كانت مبيتة
للخلاص منه كما يتضح من النصوص السابقة والتالية، التي ستوضح ت
تماما
حجم
المؤامرة على المسيح ابن مريم عليه السلام وعلى أمه العذراء البتول السلام.
التوراة تحذر اليهود
وترشدهم إلى الإيمان به وعدم رفضه :
بسبب معجزة مولد المسيح ابن مريم بدون أب، ومعرفة الأنبياء السابقين
طبيعة اليهود في الإيمان بالماديات والمنظور دون الإيمان بالقدر والغيبيات الإلهية
السماوية، كانت النبوءات تأتي إلى الأنبياء السابقين لتحث اليهود وترشدهم إلى
الإيمان بالمسيح ابن مريم العذراء وتخبرهم في مواضع كثيرة بأنه معجزة في مولده؛
للتمييز بينه وبين الأنبياء الكذبة الذين يحصلون على القدر الأكبر في بني إسرائيل،
وحتى يكون متفردا معلوما لديهم؛ لحثهم على الإيمان به، فكان معجزة تبين عظيم
قدرة الله.
ومع النصوص التالية نجد أن العهد القديم حرص على بيان مسألة خلق المسيح
بدون أب، وحرص على بيان أن ذلك من قدرة الله سبحانه وتعالى، فالنص يقول:
(۲۸،هل للمطر أب؟ ومن ولد اجل الطل؟ ۲۹ من بطن من خرج الجمده صقيع السماء، من
ولده؟) (أيوب، ۳۸، ۲۸ :۲۹).
وذلك النص يوحي للقارئ بألا يعترض على خلق الله، وأن الأشياء قد تأتي بدون
أب؛ فالكل مخلوق، والإيمان بالغيب واجب.
ملامح بدايات الجريمة
كان المخطط لإبعاد المسيح ابن مريم نسج كما أبعدت اليهود زکریا نبي الله
وابنه يحيي (يوحنا) عليهم السلام جميئا، فبدأت المخططات ضد المسيح بعد
القضاء على زكريا ويوحنا للتخلص من أي نبوة قد تؤثر في مكانتهم، بصرف النظر
عن العواقب، حتى لو كانت ستغضب السماء .
لقد بدأت النوايا لإحداث عملية تعتيم حقيقية لطمس معالم نيوة المسيح منذ
اللحظة الأولى من كتابة الأناجيل بعد مخطط تمت صناعته في الخفاء ودام أكثر
من ستين عاما لم يظهر فيها خبر مکتوب تحت أي م مسمی عن المسيح ابن مریم
ثم ظهر أول إنجيل، وهو إنجيل مرقس، مقتضيا متحفظا مختصرا لكلماته
وعباراته، ثم ظهرت الأناجيل المتتابعة، حتى كان الإنجيل الأخير المعتمد من بين
الأربعة وهو إنجيل يوحنا.
لقد بدأ إنجيل مرقس بعد ما صمتت الأقلام دهرا فلما نطقت نطقت كفرا؛
للتلبيس على الناس واستبدال مفهوم ابن الله بمفهوم آخر بمعنى ولد الله، فيدأ
بعبارته الأولى قائلا: (۱ بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله) (مرقس، ۱، ۱).
ثم بدأ بعد هذه الجملة بكلمات ليس لها علاقة بما قبلها سوى كونها مشروحات
غیر متوازنة، فقال: ( كما هو مكتوب في الأنبياء ، وها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الذي
يهيئ طريقك قدامك. ۳صوت صارخ في البرية، أعدوا طريق الرب، اغوا بله مستقيمة..
كان يوحنا يعمد في البرية ويگرژبمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا) (مرقس، ۱، 4
:
۲) .
لم تكن العبارات السابقة مترابطة بشكل متناسق مع العبارة الأولى إلا بعدما
تحدث عن الصوت الصارخ في البرية، الذي لم يقل عنه إنه نبي، بل قال ( أرسل
أمام وجهك ملاكي)، فهل كان يقصد ملاك الرب جبرائیل، أم كان يقصد يوحنا
أم أنه تدارك الأمر بعد الآية الثامنة؟
لن نطيل في أمر بداية كتابة الأناجيل، ولكننا – انطلاقا من هذه الافتتاحية – نری
أن القصد لم يكن إيضاح قصة الأناجيل عن يسوع المسيح بل كانت الفكرة في الكتابة
جملا منفصلة في معانيها واستدلالاتها، مبنية لغرض وضع فكرة ابن الله كما هي
في الفقرة الأولى، وهي المقصودة لوضع إيحاءات مقصودة من أجل بناء بدايات
ديانة جديدة انحرف فيها كتبة الأناجيل عن حقيقة دعوة المسيح التصحيحية التي
جاء من أجلها مبعوثا إلى بني إسرائيل.
بالعودة إلى الآية الأولى من إنجيل مرقس نجد أن كلمة ابن الله ليست بالمعنى
المفهوم الذي ورد في الأناجيل فيما بعد؛ ولكنها تدرجت لتوحي للقراء على أنه ولد
الله وضمن الثالوث الأقدس، وبها تم تأليه المسيح ابن مریم زورا وبهتانا. وكتب
بعضهم واصفا المسيح بأنه ذات الله الناسوتي الذي ظهر في الجسد، ولكن الحقيقة
البارزة في النصوص تؤكد أن كلمة (ابن الله تعني ( المؤمن باسم الله) كما ورد في
النص القائل: ( طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون) (مى، 9،5).
وكذلك فإن متى كتب إنجيله ليشرح جملة ( ابن الله) في كثير من الإصحاحات
والفقرات بما يزيد عن مائتي فقرة، وتعرض بإضافة كلمة الرب إلى مسميات عديدة
لعدم إحداث صدمة في تأليه المسيح.
بينما أتى بعده لوقا الذي ابتدأ إنجيله بعبارات تدل على نمط الكتابة في الأناجيل
فابتدأ إنجيله بقوله: (۱إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا،
كما سمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، ۳ رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت
كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز اوفيس، 4 لغرف صحة
الكلام الذي علمت به) (لوقا، 4
:
۱،۱) .
لذا فإن التدقيق والتمحيص يدل على أن الأمر لا يعدو كتابة النص بالبحث وليس
بالوحي، وإنا لنقف على مختصر الأمر الذي يدل على أن كتبة الأناجيل تفرقوا
في أفكار كتابة نصوصهم؛ ليتداركوا الأخطاء ويصححوا مفاهيم بعضهم بعضا،
ولكنهم اتفقوا في أمرين مهمين.
أولهما :
أن المسيح ابن الله بمفهوم التثليث والحلول والاتحاد، موصوفا بولد الله تارة، أو
أنه ذات الله تارة أخرى (والعياذ بالله) وحاشا لله أن يتمثل في هذه الحالة؛ فالكل
مخلوق من المادة، عدا الله فهو الخالق، وكل ما في الكون مخلوق.
وثانيهما :
أن المسيح قد صلب فداء عن البشر نتيجة خطيئة آدم، ولا يقبل العقل هذا الاعتقاد
بالطبع، فأين كان الرب السماوي طيلة هذه الفترة ولمدة آلاف السنين – إن لم تكن
ملايين السنين- ليأتي في آخر الزمان ويكفر عن البشر بهذه الطريقة؟
-54-