تفعيل المسؤلية المجتمعية في الجامعات المصرية
بقلم / ا د /محمد ابراهيم طه
استاذ أصول التربية
كلية التربية -جامعة طنطا
منذ فترة ليست بعيدة بدأ يتبلور مفهوم المسؤولية المجتمعية إزاء القضايا الإنسانية، وأبرزها مكافحة الفقر، والحد من البطالة، وتفعيل دور ذوي الاحتياجات الخاصة في عملية التنمية، بعدما كان هذا المفهوم -غائبًا- في حقبة ماضية أو مغيبًا لأسباب متعددة ومتشعبة، أهمها إلقاء هذه المسؤولية على الدولة، باعتبارها المسؤول الوحيد عن تأمين كافة احتياجات المواطنين في حينه.
وقد تأسس مفهوم المسؤولية المجتمعية على نظرية أخلاقية تنطلق من أن لكل كيان في المجتمع دورًا يجب أن يقدمه لخدمة هذا المجتمع، سواء كان هذا الكيان أفرادا أو مؤسسات، وسواء كانت هذه المؤسسات حكومية أو غير حكومية، ربحية أو غير ربحية.
ومن هذا المنطلق، نؤكد على ضرورة التوعية بثقافة المسؤولية المجتمعية لتصبح سلوكاً إيجابياً يتم فعلاً ترسيخه في وجدان الأفراد، والمجتمعات والمؤسسات، ويصبح سلوكاً عملياً يُلمس عبر ممارسات وطنية يُدركها الجميع وليس بعضهم، وهذا يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، ولكن الأهم أن تُحوّل هذه الثقافة إلى ثقافة عامة لدى الجميع، وليس لفئة دون أخرى، بمعنى أن تنعكس المسؤولية المجتمعيّة على سلوك جميع أفراد المجتمع بكل فئاته، وباختصار، أن تكون جزءاً من منظومة السلوك اليومي للجميع نساءً ورجالاً، صغاراً وكبارًا كل حسب مكانه ودوره. وأن تُصبح المسؤولية المجتمعيّة سلوكاً تربوياً إنسانياً حضارياً يمارسه الجميع، أفرادا ومؤسسات.
هذا وقد بدأ الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية في المجتمعات العربية حديثاً، إذ بدأ تداول هذا المفهوم في سنة 2000 تقريباً، بعدما تعاظم دور المجتمع المدني في قناعة المسؤولين بأهمية دور القطاع الخاص في الجهود الأهلية، وبخاصة أن المجتمع هو وحدة متكاملة، ومن ثم بدأت فكرة هذا المنحنى في التبلور بأنه نشاط داعم ومساند للجهود الحكومية كما أن الدول العربية تعاني بشكل عام من غياب ثقافة المسؤولية المجتمعية أو الوعي بمفهومها والخلط بين المسؤولية المجتمعية والعمل الخيري، ونشير إلى أن المسؤولية المجتمعية لها معنى واسع يرتبط بالنواحي البيئية والصحية ومراعاة حقوق الإنسان وبخاصة حقوق العاملين وتطوير المجتمع المحلي، وأنه ما زالت المسؤولية المجتمعية في طور النمو ولم تصل إلى المعدل العالمي، وأغلبها جهود مبعثرة أقرب إلى الإحسان منها إلى التنمية.
وبالرغم من أن مفهوم المسؤولية المجتمعية يُعد مفهوماً جديداً، وثقافة حديثة على المجتمع، إلا أن هناك عدداً من الجامعات- خاصة الأجنبية – التي قطعت شوطاً لا بأس به نحو ترسيخ هذه الثقافة والعمل على تطوير السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بذلك ؛ ذلك لأن الجامعات قد أضحت في ظل التحولات الجديدة، وفي المجتمعات الحديثة والمعاصرة من أهم المؤسسات المجتمعية وأخطرها؛ نظراً لما أنيط بها من مهام تربوية وعلمية وسياسية واقتصادية متعددة تتمثل في تكوين العنصر البشري وتأهيله علمياً ومهنياً وفكرياً وسياسياً، وهي تُصدرّ لمختلف القطاعات الإنتاجية ومؤسسات المجتمع المدني كل ما تحتاجه من قوى بشرية مؤهلة للإسهام في مشاريع التنمية والتحديث. وانطلاقاً من هذه الأهمية المركزية للجامعات؛ فقد أمست موضوعاً لكثير من المناقشات والدراسات المختلفة، وذلك من أجل الوقوف على الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الجامعات، وبخاصة مع مسؤوليتها تجاه مجتمعها الذي وجدت فيه، وضرورة قيامها بالدور المطلوب على أكمل وجه .
و المتمعن لحال الجامعات اليوم يجد أنها قد أصبحت في جميع أنحاء العالم على دراية متزايدة بالحاجة إلى سلوك مسؤول مجتمعياً والفوائد الناجمة عنه، فهدف المسؤولية المجتمعية هو الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، حيث إن هناك العديد من الإعلانات والتقارير الدولية التي تؤكد على أهمية تبنى المؤسسات بشكل عام والمؤسسات التعليمية بشكل خاص لا سيما الجامعات لمبادئ المسؤولية المجتمعية من أجل التنمية المستدامة؛ ومن أهمها: إعلان ريو المعني بالبيئة والتنمية، إعلان جوهانسبرج .
وسيكون لنا لقاء في المقال القدم حول آليات تفعيل المسؤلية المجتمعية بين طلاب الجامعات المصرية.