البصر والبصيرة بقلم : د محمود الجندي

البصر والبصيرة
بقلم : د محمود الجندي

هل تعلم أن البصر هو حاسة الرؤية التي نري بها الأشياء والأشخاص والألوان وكل ما يقابلنا ويقع أمامنا . ويقال أبصرالشيء أي رآه وعاينه أمامه.وهو يتعلق بالعين وكل المخلوقات تري بالعين وتبصر ما تصادفه أمامها.
أما البصيرة. فهي نور في النفس والقلب وقوة في الإدراك وفطنة وذكاء عالي وتوقع للأحداث وتفسير لما يجري وقدرة خارقة علي التنبوأ وقراءة فكر وهدف الآخر ونواياه وفضل كبير يمنحه الخالق عز وجل لعباده المخلصين الذين رضي عنهم ورضوا عنه.
ويقال أهل البصيرة أي أهل العلم والخبرة والأيمان.
و ضرب الهوي علي بصيرته …أي أعمي قلبه. وفلان علي بصيرة من أمره أي مدركاً له واعياً …ومعني ذكي البصيرة أي ذو ذهن وعقل فطن وثاقب وذكاء شديد .
والبصيرة تطلق علي علوورقي في الإيمان و قوة الحجة والمنطق وفصاحة البيان …كما في قوله تعالي “قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين” (يوسف108).وقوله ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) الأنعام : 104. ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) القيامة : 14 . وجاءت بصيغة (تبصرة) في قوله تعالي ( تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) سورة ق : 8 )…
والبصيرة وإن كان اشتقاقها من البصر إلا أنها شيء آخر غيره ، أهم وأدق وأوسع وأشمل من البصر ، لأن البصر ما هو إلا وسيلة لنقل الصور الخارجية إلى الذهن مثلها مثل وسيلة السمع ، والشم ، واللمس ، والذوق وهو ما يقال عنها الحواس الخمسة .
وقد عرّفوا البصيرة بأقوال أهمها : يقال لقوة القلب المدركة بصيرة ، وقد قال قبلها ؛ البصر يقال للجارحة . وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر ([3]).
والواقع هذا ليس سوى تعريف للفظ وليس لتعريف المعنى أو حتى تقريب مفهوم المعنى إلى الأذهان .
ونستطيع أن نعرّف معنى البصيرة بأنها : قوة خفية أو ملكة وهبها الله للإنسان لإدراك حقائق الأشياء ، أو إدراك الجوانب الخفية من الموضوعات ، ولا يأتي ذلك إلا بعد الإحاطة بجميع جوانب الموضوعات ، والبصيرة تأتي عن طريق الفطنة والعلم الدقيق بأسباب ونتائج الأحداث والخبرة بها والتوقع المبني علي صفاء القلب وتعلقه بالله عز وجل وقوة الملاحظة والقدرة على التمييز بين الموضوعات والنفوذ إلى الفوارق الدقيقة بين المتشابهات في المواضيع …
ويقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري :« النور له الكشف ، والبصيرة لها الحكم » .

وعن أهل البصيرة يقول الشيخ عبد السلام بن مشيش : « أهل البصيرة : هم الذين لا يرون إلا الملكوت ، وهو عالم الأرواح » .
وفي الفرق بين عين البصر وعين البصيرة ، يقول الشيخ محمد النبهان : « عين البصيرة تدرك المعاني ، وأما عين البصر فتري الملموس ولا تدرك المعاني ، تنعكس عين البصيرة على عين البصر ثم تدرك .
البصر يدرك الأشياء المادية المحسوسة ، والبصيرة تدرك الله ، تدرك الكمالات من ذاتها .
يوجد في جميع المجالس ملائكة ، وجن ولكن لا يرون بعين البصر بل بعين البصيرة .
وعن فتح عين البصيرة ، يقول الشيخ الأكبر ابن عربي : هي رؤية عالم ملكوت الإنسان الخاص به ، الذي هو غيبه أو باطنه فيشاهد ما أقر الله فيه من الأسرار ، ورتب فيه من الحكم ، وأودعه من الفوائد .
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : « كل مريد أدعى فتح بصيرته وعنده بقية طمع فيما بأيدي الناس فهو كاذب . فإن من فتح الله عين بصيرته لا يصح أن يعلق قلبه بمخلوق ، لأنه يجد الخلق كلهم فقراء لا يملكون شيئاً مع الله تعالى » . أما التبصرة فيقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي : « قال بعضهم : التبصرة : معرفة من الله تعالى عليه »

(اللهم أجعلنا من المستنيرين بصيرتهم المؤمنون بك ونور بصيرتنا وقلوبنا بنورك العظيم وآتنا من لدنك فضلا وعلما ولا تجعلنا من القانطين الآثمين المتخبطين في ظلام الجهل والخطيئة..)

د/محمود الجندي.دكتوراة الأعلام السيكولوجي

شاهد أيضاً

مبادرة ” الطفل الجميل” بقلم- د- راندا الديب

مبادرة ” الطفل الجميل” بقلم- د- راندا الديب   للعام الرابع علي التوالي أسعى لتعديل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *