أين يذهب المشجعون؟
بقلم / شهناز عبدالرزاق
جمهور جسيم يغطي مدرجات الصالة، متفرقون على أجنحة مختلفة، مجموعات متناثرة على شكل فرق، تجسد كل مجموعة رموزاً وشعارات معينة، فريق يحمل لافتات ضخمة تحتضن عدة كلمات ثائرة، وفريق يحمل أعلاماً مرفرفة تهيج طقوس النصر، وفي أول الصفوف تبرز وجوه مصبوغة بألوان متلاعبة صاخبة ثائرة، منابر التنافس تناشد الأنداد المتفرجة، تركيز لافت، أعصاب مشدودة على أشدها، ترقب حاد في اتجاهات مبعثرة، صمت قصير تائه يغزو المكان، ما عدا صراخ المتحدث ينقل تفاصيل الحدث ويكسر الصمت المشدود «تحركت يمين، يمين، يسار، يساااار، جوووول».
وما إن قطعت الكرة إطار المرمى وسجلت هدفاً، حتى تحول الصمت إلى عواصف هتافة وموجات عالية، وباشرت الطبول دقاتها المتناغمة، واهتزت اللافتات وتراقصت الأعلام، غبطة ثائرة وضجة صاخبة صاحبت دخول الكرة في شبكة المرمى، تكاد تكون لكرة أرضية صعدت جنة الخلود.
جميل أن نرى كل هذه الطاقات التشجيعية، وجميل أن نستكشف هذه الطاقة الخام، والأجمل أن نرى وقع تلك الهتافات والصرخات على الجمهور والمشاهدين، ونرصد أحجام وأنواع تلك الطاقات، وقد تسحب مزيداً من الأفراد والأصوات في صفوف التصفيق وأرصدة التشجيع.
يعتبر التشجيع من الركائز الأولية لمسيرة النجاح، فهو نوع من أنواع الدعم، حيث يوقظ في أعماق النفس بذرة الاندلاع نحو الهدف، وتأجج الحماس لنيل النصر، كما تولد بذرة الصمود في الكيان المتعطش للانطلاق نحو الهدف، وقد تكون الفتيلة التي يندلع منها حب المثابرة وشغف المكافحة للنصر. ويعتبر التشجيع وجهاً آخر للدعم، ويلعب دوراً محورياً لسلم النجاح، وقد يأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة مادية ومعنوية، والدعم المادي هو الأكثر بروزاً وتداولاً.
وقد يأخذ الدعم المعنوي أشكالاً عدة منها الكلمات والجمل المعبرة المساندة، كتابية أو شفوية مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق وسائل التواصل أو الاتصال المتعددة.. كما يعتبر التصفيق، التصفير، الحضور، المشاركة في الحدث أو المناسبة، أو إرسال بطاقات نصية أو لغة الإشارات وغيرها، من الوسائل المتنوعة والعناصر الفعالة للتعبير عن دعم أو تشجيع ما.
وانتشرت في العصر الحالي وسائل الدعم الإلكتروني، وذلك بالرسائل أو التعليقات الإيجابية أو الأصوات الإلكترونية الرقمية الداعمة.
وقد تتبادر للذهن أسئلة عدة؛ لماذا تكون الطاقات التشجيعية حكراً على نشاط دون آخر؟ لماذا تكون أنواع الدعم والتشجيع تلك نشطة وحية في مناسبات وصامتة ساكنة في أخرى؟ ولماذا تكون بارزة صارخة في أحداث وساكنة مستترة في أخرى؟
فكثيراً ما تواجه أحداث أو نشاطات حالة من الجمود تشابه الصد، وأحياناً تظل صالات فنية فارغة تنتظر حضوراً مكثفاً، مواقف بطولية تفتقر إلى تصفيق حاد، قصص إنسانية تناشد التعاضد والتآزر، أطروحات علمية، قيم سامية، نماذج مشرفة، تماثيل آسرة، لوحات فنية، كتابات أدبية، مواقف بطولية، أحداث نبيلة، جمل مثالية، لا تلقى أصداء غير سكون حائر.
وقد تواجه حيطانها صمتاً مطبقاً وغياباً ينتظر من يبحث في قاموسه عن كلمات ثناء أو إعجاب.
لماذا تكثر التعليقات السلبية في بعض المجتمعات وتنكمش الآراء الإيجابية؟ لماذا تنشط ألسنة الانتقادات الملتهبة بينما تتكاسل الأيادي المساندة والداعمة؟ لماذا تنتشر المواقف الهجومية وتصمت التصفيقات الساخنة؟ لماذا ينتشر هاجس التنقيب والتفتيش بين ثنايا الكسور المظلمة، بينما يترك أداء براق أو إنجاز باهر لنظرة عابرة؟ ولماذا يبرز أحياناً الجانب الضئيل والمظلم من التحف النادرة، وتترك الجوانب الأخرى اللامعة والبراقة؟!
أين يذهب المشجعون في مسارح الأدب؟ أين يؤول التصفيق الحار والتصفير الباذخ حول القضايا الإنسانية؟ أين تشرد الكلمات في خضم المواقف الإيجابية؟ وأين تحجب الأصوات لمعركة الحياة المتوازنة.. الحياة القائمة على العدالة والإنصاف والصفاء والنقاء والأمن النفسي؟!
تحتاج مجتمعاتنا إلى جانب جمهور الرياضة والفن، إلى جمهور الأدب، جمهور العلم، جمهور لدعم المسارات الإنسانية والأخلاقية وغيرها، وفي جعبة كل شخص يكمن كم هائل من الطاقات التشجيعية، ورزمة من العناصر الداعمة يستطيع من خلالها أن يلعب دوراً إيجابياً في الحراك الاجتماعي في كافة مجالات التنمية، الاقتصادية والفنية والرياضية والأدبية، والمساهمة في دفع مسيرة التقدم والازدهار.. فأين يذهب المشجعون ؟