وكيل “محلية البرلمان”: الظروف المالية للدولة وعجز الموازنة لا تتحمل إجراء الانتخابات حاليا
تحقيق/ محمد عبد الوهاب
حالة من اللغط والجدل الشديدين فى الأوساط السياسية حول مصير انتخابات المجالس المحلية بسبب المعلومات المتضاربة والمتناقضة التى تخرج بين الحين والآخر حول مواعيد إجراء الانتخابات، سواء من جانب الحكومة كمعلومات رسمية تؤكد إجرائها فى 2017 أو على لسان مصادر مقربة من الحكومة والأجهزة التنفيذية تشير إلى احتمالية تأجيل الانتخابات، فبعد أن أكدت الحكومة فى برنامجها الذى وافق عليه البرلمان منذ 10 شهور أن الانتخابات المحلية ستجرى فى الربع الأول من عام 2017، لكن واقعيا أصبح مستحيل إجراء الانتخابات فى الربع الأول من العام الجارى
وكانت آخر انتخابات محلية قد شهدتها مصر، فى 2008، وسط غياب للإشراف القضائي والتنافسية الانتخابية، وبلغ عدد المقاعد حينها 52 ألف مقعد، حسمت التزكية 44 ألفًا منها، وأجريت الانتخابات للتنافس على المقاعد المتبقية وعددها 8 آلاف مقعدًا.
وفي أعقاب ثورة يناير، أصدر المجلس العسكري مرسومًا بقانون حمل رقم 116 بشأن حل المجالس المحلية وتشكيل مجالس مؤقتة بكافة المحافظات تضم عددًا من أساتذة الجامعات ورجال القضاء والمثقفين وممثلين عن الشباب والمرأة، ومنذ ذلك الحين لم تتم أية انتخابات للمحليات، سوى تلك المزمع عقدها على ضوء القانون الجديد
كانت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب قد أقرت النظام الانتخابي للمجالس الشعبية المحلية القادمة وحددت نظامًا لإجرائها بحيث يكون النظام الانتخابى مختلطًا بنظام القائمة المغلقة المطلقة بنسبة 75% والنظام الفردى بنسبة 25% فقط من المقاعد، محددة نسبة العمال والفلاحين 50% من المقاعد فى أى مجلس محلى، بالإضافة إلى نسب المرأة والشباب والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة.
وكان اللواء رفعت قمصان، مستشار رئيس الوزراء لشئون الانتخابات، قال فى كلمته باجتماع للجنة الإدارة المحلية بالبرلمان منذ أيام، إن الحكومة لم تتعمد أبدا أن تؤجل أو تؤخر انتخابات مجلس النواب الأخيرة التى أجريت فى نهاية 2015، وكذلك لا تتعمد تأجيل انتخابات المجالس المحلية المقبلة ولا تريد ذلك، مشددا على أن الحكومة حريصة على ألا توجد أى شبهة عدم دستورية فى قانون الإدارة المحلية، كما أن الجدية التى تتعامل بها الحكومة فى مناقشات القانون فى البرلمان تؤكد اتجاه الدولة لإجراء الانتخابات بعد صدور قانونى الهيئة الوطنية للانتخابات والإدارة المحلية، خاصة أن اللجنة استقبلت وزراء التنمية المحلية والإسكان وممثلين عن وزارات التخطيط والداخلية والزراعة وغيرها خلال الفترة الماضية لحسم الأمور الجدلية فى القانون، خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والانتخابات ووضع المدن الجديدة. وأكدت الحكومة أن الدستور نص على إعداد تقسيم للدوائر لانتخابات مجلس النواب، ولم يلزم بتقسيم دوائر لانتخابات المحليات، وقال مستشار رئيس الوزراء لشئون الانتخابات إن تقسيم الدوائر بنفس طريقة انتخابات البرلمان وفقا للتمثيل المتكافئ لعدد الناخبين سيوصل عدد أعضاء المجالس المحلية لمليون عضو.
من جانبه أكد انتخابات المجالس المحلية ، وزير التنمية المحلية الأسبق، أن الانتخابات المحلية هي الجزء الأساسي لإصلاح المحليات في مصر، موضحًا أن معدل التنمية تراجع بشكل كبير بسبب عدم وجود جهاز رقابي شعبي عليها، مشيرًا إلى أن مواجهة الإرهاب تكون من خلال نجاح العملية التنموية، مطالبًا بأن يتم عرضه على الحوار المجتمعي، بمشاركة كل فئات المجتمع. وأكد النعماني، أن غياب الرقابة عن أداء الأجهزة المحلية في المحافظات والمدن، لمدة تجاوزت الـ4 سنوات، تسبب فى عدم وجود مساهمات لإحياء دور التنمية المجتمعية، مطالبًا بتعديل التشريعات التي تمكن الفاسدين من أن يكون لهم كلمة عليا في الجهاز الإداري للدولة، وإعطاء الحقوق الكاملة للمجالس المحلية الشعبية المنتخبة، والتي يزيد عدد أعضائها على 50 ألف عضو، في التدرج الهرمي من المحافظات والمراكز، بالإضافة إلى تحديث نظام الإدارة في مصر، ورفع مستوى التنمية بشكل عام.
وطالب حسام الخولي، رئيس لجنة المحليات بحزب الوفد، بإلغاء “صفة العامل” من النسبة المقررة للشباب، وإلغاء بند إلزام الأحزاب باختيار نسبة لا تقل عن 50% من العمال والفلاحين من داخل نسبة الـ25% التي أقرها الدستور لتمثيل الشباب في المحليات، موضحًا أن الحزب يواجه مشكلة في اختيار المرشحين في انتخابات المحليات المقبلة. ومن المقرر أن تنتهي لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان في منتصف فبرايل المقبل من مناقشة مشروع قانون الإدارة المحلية وإعداد المسودة الأولى له، تمهيدًا لعرضه فى جلسة عامة لا قراره نهاية شهر أبريل، على أن يشهد مطلع شهر مايو إجراء انتخابات المحليات.
وأوضح حسن ترك، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، أن القانون يمثل الصعود إلى الهاوية، وتابع أن القانون مفصل لصالح أحزاب معينة ينفق عليها رجال أعمال يتحكمون فيها، مضيفًا أن الحكومة أوقفت الدعم عن الأحزاب كلها بينما باعتراف المقربين منها النظام يدعم أحزاب بالاسم، موضحًا أن قانون لمحليات الجديد سوف يدعم ما عانت منه مصر طوال ثلاثين عامًا وهو زواج رأس المال بالسلطة ولن يؤدى إلى أي تقدم، واصفًا إياه بـ”القانون غير المنصف“.
وأكد الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، أن الدستور نفسه هو الذى حدد نسبة الفئات الخمس فى المجالس الشعبية المحلية 25% منهم شباب وامرأة و50% عمال وفلاحين و25% أقباطًا وذوى إعاقة، مضيفًا أن القائمة المغلقة هى الوحيدة التى ستأتى بهذه الفئات جميعا لأن النظام الفردي لن يأتي بهذه الفئات، مضيفًا أن القائمة سيشكلها أحزاب وائتلافات وأفراد ولا يوجد نص يمنع ذلك، وبالتالى هنا المال السياسي لن يسيطر على الانتخابات وحده، مشيرًا الى ان الخوف هو من ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة فى الانتخابات المحلية نظرًا لارتفاع نسبة الامية في مصر وحتى المتعلمون سيخطئون في اختياراتهم نظرًا لكثرة القوائم التي سيختارها بالإضافة للفردي
وتوافق معظم النواب فى توقعاتهم حول إجراء الانتخابات المحلية فى نهاية عام 2017، وأن هناك بعض الأمور سبب فى تأخيرها منها تأخر صدور قانون الإدارة المحلية وهى ليست مسئولية لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، فالحكومة مسئولة عن التأخير بسبب تأخر إرسالها مشروع القانون المعد من جانبها للبرلمان إلى شهر سبتمبر الماضى، فى حين أن بعض النواب قدموا مشروعات قوانين منذ شهر مارس 2016، فضلا عن تأخر صدور قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، لأن هذه الهيئة ستتولى وفقا للدستور الإشراف على انتخابات المحليات وتنظيمها وإدارتها، وأن أمر تشكيل الهيئة الوطنية بعد صدور القانون وتحديد مقرها الدائم فى القاهرة وفروعها فى المحافظات وموازنتها سيحتاج بعض الوقت، هذا بالإضافة إلى أن هناك مطالب من بعض النواب بإعادة النظر فى تقسيم الوحدات المحلية التى ستجرى فيها الانتخابات، رغم أن الحكومة أمام البرلمان أعلنت أن الدستور لا يلزم بإصدار تقسيم لدوائر انتخابات المجالس المحلية.
وأشار النائب ممدوح الحسينى– وكيل لجنة الإدارة المحلية، إلى أن الموارد المالية فى الموازنة العامة للدولة غير مهيأة فى الوقت الحالى لإجراء الانتخابات المحلية لأنها تكلف مليارات، وبالتالى الموازنة لا تتحمل إجراء انتخابات حاليا فى ظل العجز الكبير فيها، خاصة أن عدد أعضاء المجالس المحلية سيصل إلى نحو 40 ألف عضو على مستوى الجمهورية، وعدد المرشحين فى الانتخابات لن يقل عن 250 ألف مرشح.
ويقول عبدالرحمن حسن، الخبير فى الإدارة المحلية، إن استخدام النظام المختلط من أفضل ما قدمت مسودة قانون تنظيم الإدارة المحلية، والأمر عندما يتعلق بالنزاهة والشفافية فهو بعيد عن نظام الانتخاب، لكنه عاد وقال إن هذا النظام غير عادل من حيث التمثيل أو المشاركة، موضحًا أن نظام القائمة المغلقة المطلقة أحد أفضل الأنظمة المحققة للنِّصاب السليم والتي تنحي فكرة عدم الدستورية جانبًا، فالقوائم تشكل بتمييزها الإيجابي لكل المجلس، الأمر الذي يجعلها تحقق كافة تلك الشروط الخاصة بالكوتة والتي وضعها الدستور لتكوين المجلس. أضاف حسن، أن مدى انتشار المال السياسي متوقف على وعي المواطن ولكنه سيكون موجودًا في كل صوره باختلاف نسبته ونوعه من دائرة إلى أخرى، مقترحًا أن يتم فتح الباب لكل منظمات المجتمع المدني المراقبة للانتخابات والتصديق على تقاريرها وعدم تجاهلها واستخدام قدرة اللجنة المنظمة للانتخابات على الاستبعاد لوقف المخالفين واستبعادهم، مشيرًا إلى أن هناك تفاصيل عن عوار واضح وأزمات في المسودة الأخيرة للقانون تهدد بعدم الدستورية أو على الأقل تسبب مشكلات لا حصر لها وتفتح باب التحايل على القانون. وقال حسن، إن القانون به عدة مشكلات أولها مشكلة مزدوجي الصفة بمعنى أن يكون المترشح شابًا وقبطيًا فى نفس الوقت أو امرأة ومعاقة فى نفس الوقت، موضحًا أن الدستور أكد على وجود كوتة بالمجلس للشباب والأقباط والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة، ولم يوضح القانون هذه النسب تكاملية أم متداخلة بمعنى أن يحمل كل فرد صفته فقط لا غير أم يكون مزدوج الصفة، مضيفًا أنه لو كانت النسب تكاملية سيكون مستحيل تحقيقها لأن الـ 8 مقاعد فى محافظة ما لا بد أن يكون فيها 4 عمال أو فلاحين و2 شباب و2 امرأة و2 قبطي وذوى احتياجات، فكيف يتم ذلك فى قائمة مطلوب فيها فقط 6 مقاعد فقط، وهنا لا بد أن نأتى بأشخاص تحمل صفة مزدوجة، موضحًا أن ما يحدث أنه فى بعض الدوائر سيكون فيها شبهة عدم دستورية وسيضع هذه المجالس تحت طائلة الحل. تابع حسن، لو أخذنا محافظة أسيوط كمثال فإن أغلب الدوائر بها يقطنها أقباط والدستور أكد وجود تمكين عادل للأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة والتمثيل العادل، هنا لا بد أن يكون مقعد واحد للقبطي وآخر لذوى الاحتياجات ولكن فى الدوائر التى يقطنها أقباط سيكون كل المرشحين أقباط، وهناك دوائر فى الصعيد تمنع ترشح المرأة فى الانتخابات ولم يضع القانون ضوابط ومجالس استثنائية هنا فلم يضع حلولا بديلة وهذه ستسبب مشاكل فى المحافظات الحدودية ومحافظات الصعيد، وهناك مقترحات ارسلناها للجنة الإدارة المحلية ولم تأخذ بها. أشار حسن، إلى أن منطقة القاهرة الجديدة مثلًا النسبة الأكبر من قاطنيها تتجاوز 97% من حاملي صفة الفئات، وهنا كيف نمثل نسبة 50% عمال وفلاحين؟ وهذه ستسبب مشكلة عدم دستورية وهذه ستفتح بابًا أن يأتوا بأشخاص حاملي صفة العمال والفلاحين ويغيروا محل إقامتهم حتى يترشحوا فى الدائرة وتفصيل للقوائم حسب الأهواء ويفتح الباب أمام المال السياسي فى اللعب بالقوائم، وكيف نمنع وجود عدم دستورية القانون وتعريض المجالس للحل؟، ويجيب حسن باستثناء المحافظات الحدودية من الكوتة والتمييز الإيجابي ووضع ضوابط جديدة لهم، وبحث استثناء العاصمة من العمال والفلاحين أو إيجاد حل لها، وبحث فى الصفات الأصيلة والمكتسبة لنقلل من إهدار الكوتة، متابعًا أن قانون التنمية المحلية القديم كان يسمح بترشح أى شخص يحمل شهادة محو الأمية وبعد ثورة يناير مجلس النواب الماضي جعل المرشحين لمجلس النواب أن يكونوا حاصلين على التعليم الإلزامي وهو شهادة الإعدادية ولكن مصر كانت بها التعليم الأساسي هو التعليم الإلزامي حتى مواليد سنة 70 ولكن القانون الحالى به التعليم الإلزامي هو الإعدادية ولا بد أن يوضح فى القانون أن يتم استثناء المرشحين الذين ولدوا قبل عام 70 لأن الابتدائية كانت هى التعليم الإلزامي لهم.
فيما رأى عاطف أمين، مؤسس التحالف المصري للعشوائيات، خبير التنمية المحلية، أن إجراء الانتخابات بنسبة الـ75% قوائم مطلقة مغلقة به صعوبات كبيرة لأن الأحزاب في مصر ضعيفة ولا تضخ كوادر تكون قادرة على التمثيل السياسي في الحياة العامة وأنه لا يوجد حزب فى مصر يستطيع تشكيل قوائم للمحليات على مستوى الجمهورية لأنه في هذه الحالة يحتاج إلى حوالى 50 ألف كادر حتى يمكنها المنافسة وهذا مستحيل للأحزاب وأيضا يتسبب في دخول عناصر ليست أهلًا لخوض الانتخابات المحلية وانه أشبه بالتعيين.
أضاف أمين، أن ذلك يترتب عليه تردد الشائعات حول قيام الدولة بإعداد قوائم انتخابية مؤيدة لها بالإضافة إلى إمكانية الطعن عليها والتهديد بحل المجالس المحلية وأن النظام الفردي يضمن تكافئ الفرص بين جميع المرشحين ويساعد الناخب فى دراسة المرشحين جيدًا واختيار أفضل من يمثله ودستوري ومحمى بالدستور كما أنه النظام الأفضل للظروف المصرية ويتماشى مع المزاج العام المصري وأن المال السياسي يلاحق أي عملية سياسية تتم داخل مصر بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلد.