مصر أكبر من معونتكم
قررت الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض المعونة لمصر بواقع 95.7 مليون دولار كمساعدات، وتأجيل 195 مليون دولار بحجة عدم إحراز تقدم فى مجال احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، فقد غفلت الولايات المتحدة بأنه لم يعد من المقبول لدى الشارع المصرى استخدام المعونة الأمريكية كأداة ضغط على مصر فى أى شأن، وخير دليل على ذلك هو صمود الشعب المصرى أمام إجراءات إدارة أوباما فى تجميد المعونة عقب ثورة 30 يونيو الشعبية.. فلم يعد من المجدى استخدام فزاعات حقوق الإنسان كطريق للتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وإغفال تضحيات الشعب المصرى فى مواجهة الإرهاب، الذى شاركت فى صناعته إدارة أوباما كما وصف ترامب أثناء حملته الانتخابية، فالقرار الأمريكى يتنافى مع دعوات دعم جهود الدول فى مكافحة الإرهاب، ويتسبب فى الإضرار بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة ذاتها.
فمصر كانت ومازالت، فى قلب مرمى نيران هذه المخططات، وهو ما تؤكده تبعات سقوط الطائرة الروسية بسيناء، ومقتل ريجينى، ومواقف دول الغرب التى تفضح المؤامرة، دون أدنى مواربة، فمازالت العين على سيناء كوطن بديل للفلسطينيين، لحل أزمات الدولة الصهيونية، فيتم الدفع نحو نشر قوات دولية لاحتلال سيناء بالذريعة المعتادة، وهى محاربة الإرهاب الممول والمدعوم من الغرب، بجانب إشغال الجيش المصرى وصرفه بعيدًا عن صفقات التسليح التى باتت تزعج الصهاينة، إلى حد أنهم وصفوها بأنها تمثل خطرًا على وجود دولة إسرائيل.
توالت بين القاهرة وواشنطن الاتصالات لتعزز التفاهمات، إلا أن مواقف عدة كشفت أن من بين المؤسسات القديمة داخل واشنطن، والدول المنتفعة من سياسات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وفى مقدمتها قطر وتركيا، من يعارض التقارب بين الجانبين، وهو ما بدا واضحاً فى حملات إعلامية مشبوهة وغير مبررة شنتها صحف ووسائل إعلام أمريكية من أن إلى آخر ضد مصر على مدار الأشهر السبع الماضية فى ولاية ترامب. وهو ما ظهر أيضاً فى مماطلة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون فى اختيار سفيراً جديداً للولايات المتحدة فى القاهرة خلفاً للمنتهية ولايته ستيفن بيكروفت والذى يمارس فى الوقت الحالى مهامه قائماً بالأعمال.. وهو ما ظهر أخيراً فى المكالمة الهاتفية التى أجراها تيلرسون بوزير الخارجية سامح شكرى ليخطره بشكل مفاجئ ودون مقدمات باعتزام واشنطن تخفيض المساعدات المخصصة للدولة المصرية.
ريكس تيلرسون الذى نال التأييد على ترشحه لمنصب وزير الخارجية من مجلس الشيوخ الأمريكى بعدما راوغ بعدة تصريحات أكد خلالها اعتزامه التصدى بشكل مباشر لدور جماعة الإخوان والكيانات الإرهابية المتطرفة، بادر فور تسلم مهام منصبه بالتأكيد على أن الجماعة لديها ممثلين ووزراء فى جهات حكومية داخل العديد من الدول الصديقة للولايات المتحدة، مستشهداً بتركيا، ليعرقل بحسب معلقون أمريكيون وخبراء عدة مساعى ترامب والكونجرس الأمريكى لإدراج الجماعة على قائمة الكيانات الإرهابية.
ولم تقتصر تحركات تيلرسون المشبوهة، والذى وصفته منظمة كلاريون الأمريكية للدراسات فى تقرير لها بالعنصر الأكثر تقويضاً لسياسات ترامب، على المماطلة فى إدراج الاخوان على قوائم الإرهاب، أو وقوفه المثير للشكوك وراء قرار تخفيض المساعدات المخصصة لمصر بزعم ارتباطها بعلاقات مع كوريا الشمالية، بل امتدت تلك التحركات لتشمل عرقلة مساعى الإدارة الأمريكية فى التصدى لإمارة قطر، الراعى الأول للكيانات والتنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط، بعدما حملها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب صراحة مسئولية انتشار الإرهاب مؤكداً استعداد بلاده نقل قاعدة العديد العسكرية من قطر إلى أى بلد آخر.
قرارات وتحركات الوزير الأمريكى الذى ترأس قبل عقود شركة ” ايكسون موبيل ” النفطية، وشغل من خلالها مقعداً رسمياً ضمن مجلس الأعمال الأمريكى ـ القطرى، وآخر فى مجلس الأعمال الأمريكى ـ التركى، دفعت العديد من الصحف الأمريكية ومراكز الأبحاث الخارجة عن وصاية المؤسسات الموالية للحزب الديمقراطى للتحذير من الدور الذى يلعبه لخدمة الأجندة القطرية داخل الولايات المتحدة، والتأكيد فى الوقت نفسه على وقوفه وراء تراجع النفوذ الأمريكى فى منطقة الخليج والشرق الأوسط.
تيلرسون الذى يتأهب لخروج مبكر من الإدارة الأمريكية قبل نهاية العام الجارى بموجب استقالة سببها ما هو قائم من خلافات بينه وبين الرئيس ترامب، بحسب تقرير انفردت بتفاصيله شبكة سى أن إن، لم يفوت الفرصة لنسف جسور الثقة التى امتدت بين القاهرة وواشنطن منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، ليبادر بإخطار الخارجية المصرية بقرار تخفيض المساعدات العسكرية، دون نقاش فى دوائر واشنطن التشريعية الممثلة فى الكونجرس، ودون سابق إنذار، على الرغم من تأكيدات البنتاجون قبل أيام على عودة مناورات النجم الساطع المشتركة بين القوات المسلحة المصرية والجيش الأمريكى فى سبتمبر الحالى بعد قرار تعليقها قبل أكثر من 4 سنوات كاملة.
وأمام القرار الأمريكى المفاجئ، والذى تناولته وسائل الإعلام الأمريكية الموالية للحزب الديمقراطى بكثير من التشفى، وقابلته تلك التى لم تطالها رشاوى قطر وتمتلك قدر من الحياد، بالكثير من الدهشة، كان رد القاهرة الرسمى، والذى جاء على لسان وزارة الخارجية أكثر اتزناً من موقف تيلرسون الذى لقبته بعض الصحف الأمريكية بـ”المرشد الأمريكانى”، والناطق باسم الدوحة داخل البيت الأبيض، لتؤكد مصر ـ بحكمة لا يقودها اندفاع، ودبلوماسية لا تحركها الأهواء ـ حرصها على العلاقات الاستراتيجية التى تربطها مع الولايات المتحدة، داعية الإدارة الأمريكية إلى اعادة النظر فيما تواجه مصر من تحديات اقتصادية وأمنية، وإلى التوقف عن سياسات خلط الأوراق لحماية المصالح المصرية ـ الأمريكية المشتركة.
رد القاهرة المتزن على قرار وزير الخارجية الأمريكى، عكس ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ وقوف الدولة المصرية على أرض صلبة دعائمها علاقات متزنة مع كافة الدول والأطراف الخارجية، وعمادها الثقة فى أن دولة 30 يونيو التى عاشت دون معونة أمريكية فى سنوات أوباما الأخيرة داخل البيت الأبيض، لن يثنيها عن مسيرتها على صعيد السياسة الخارجية، إعلام ممول أو أقلام مأجورة، ولن يربكها فى تحركاتها وزيراً عابراً فى الإدارة الأمريكية.
ومن جانب كان رد المصريون تتصدر هاشتاج “مصر أكبر من معونتكم”، قائمة الموضوعات الأكثر تداولا على موقع التغريدات القصيرة “تويتر”، وذلك رداً من الشعب المصرى على قرار الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بتخفيض جزء من برنامج المساعدات لمصر.
وقال أحد رواد تويتر، تحت مسمى “مصر معشوقتى”، إن مصر لا تخضع للضغوط من أى دولة مهما كان حجمها، مصر الآن تعيش فى أزهى عصور الحرية، مشيراً إلى أن أمريكا تحاول الضغط على مصر، لأن مصر السيسى أصبحت لا تخضع لهم وأصبحت دولة مستقلة ذات قرار سيادى حر لن نخضع للضغوط.
وأشارت مغردة إلى أن مصر تمتلك الكثير من الثروات والخيرات والعقول والأيدى العاملة، فقط مع الوقت ستكون مصر “قد الدنيا”.
وذكرت “شيرين هلا”، أنه بالرغم من تعرض مصر لحملات تشويه ممنهجة إلا أنها لا تزال واقفة على أرض صلبة.