تقرير رسمي قلعة “قايتباي” يُحذر من الانهيار
الصخرة الأم التي شُيدت عليها قلعة “قيتباي” بالإسكندرية، ضمنت لها أن تكون حصنًا منيعًا ضد هجمات الغزاة، وضربات المهاجمين، الطامعين في غزو مصر، ورغم الدور الكبير الذي لعبته في تاريخ مصر، إلا أنها لم تستطع منع هجمات المياه عن جدرانها وحجارتها، بالتزامن مع عدم إجراء أي أعمال صيانة لها خلال السنوات الأخيرة.
تقع قلعة “قايتباي” على طرف جزيرة فاروس القديمة، في موقع فنار الإسكندرية القديم – أحد عجائب الدنيا السبع القديمة – وتعتبر أحد أهم معالم عروس البحر.
كشف تقرير رسمى صادر عن الإدارة العامة للآثار الغارقة، بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عن وجود خطر داهم بسبب وجود تصدعات كبيرة بالصخرة الأم التي تحملها، نتيجة النحر وارتطام الأمواج والتيارات البحرية.
اعتمد التقرير على دراسة تم إجراؤها، بعنوان “دراسة صخرة الأساس لقلعة قايتباى باستخدام طرق الرادار الأرضى والتصوير الكهربى ثنائى الأبعاد“، ذاكرًا أن القلعة تتعرض للنحر الشديد من جانب الأمواج والتيارات البحرية النشطة، على جانبيها الشرقي والغربي، مما أحدث تجويفات بالصخرة الأم المقامة عليها.
وكشف التقرير -الذي حصلت “بوابة الأهرام”، على نسخة منه- عن تشبع الأطراف الشمالية والشمالية الشرقية والشمالية الغربية للصخرة بالمياه، على أعماق تتراوح بين 1.5 متر وحتي 3 أمتار من مستوى سطح الأرض، وهو ما يمثل خطورة، بسبب التآكل والذوبان الذي تتعرض له الصخرة، بينما بدا التشبع المائي بباقي أجزاء الصخرة، عند أعماق تراوحت بين 7 وحتى 9 أمتار، وأكد التقرير أن هذه الأعماق تعتبر آمنة نوعًا ما.
وقسم التقرير، الخطورة التي تتعرض لها الصخرة الأم، إلى 3 مراحل، وهي (شديدة الخطورة – خطرة – آمنة)، مشيرا إلى أن مواطن الخطورة تمكن في الناحيتين الشرقية والشمالية الشرقية من القلعة، وأن الكهوف والتجاويف بها طبقا للرصد المبدئي، بلغت 5 كهوف، تصل مساحة كل منها إلى نحو 5 أمتار طولا، وبعرض نصف المتر.
التقرير أكد أيضًا، وجود مناطق أخرى شديدة الخطورة بالصخرة الأم، تقع بالقرب من حدود بناء القلعة، وهو ما يستدعى البحث عن حلول علمية حديثة؛ لتكسير الموجات قبل وصولها إلى القلعة، مقترحًا على سبيل المثال، إقامة خوازيق خرسانية في البحر، على بعد 20 مترًا من القلعة لتكسير هذه الموجات.
ولفت التقرير، إلى أن استخدام الحواجز الخرسانية “البلوكات” الحالية لحماية القلعة، تأثيرها غير مكتمل، بل من الممكن أن تعطي تأثيرًا سلبيًا، يتمثل في زيادة أعمال النحر في أماكن أخرى من الصخرة الأم.
وأوضح الدكتور عباس محمد عباس، أستاذ الجيوفيزياء التطبيقية والبيئية بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أحد المشاركين في وضع التقرير، إن بداية إدراك الخطر كانت عندما قرر الدكتور خالد العنانى وزير الآثار تشكيل لجنة؛ لدراسة المخاطر التى تحيط بالقلعة، وتم تقسيم الأعمال لثلاث مراحل، تم تنفيذ المرحلة الأولى، بإجراء قياسات رادارية، باستخدام الرادار الأرضى الاختراقى، وتقنية التصوير الكهربى، وتبين وجود مشكلات في الصخرة الأم لقلعة قايتباى، فضلًا عن تآكل الصخرة.
وشملت المرحلة الثانية، إجراء دراسة بالموجات الصوتية؛ لبيان ثبات القلعة، وهى دراسات متعددة القنوات لقياس الموجات السطحية ونتائجها، وأكدت أن القلعة أمنة حاليًا، ولكنها تحتاج إلى سرعة التدخل؛ لحمايتها، حتى لا يكون هناك تأثير سلبى في المستقبل.
ولفت “عباس”، إلى أن المرحلة الثالثة والمتوقفة حاليا -هي الأهم – لأنها ستجري دراسات تثاقلية؛ للوصول إلى صورة ثلاثية الأبعاد دقيقة، باستخدام طرق التثاقلية الأرضية، وهى مهمة جدًا؛ لأنها تعطى صورًا دقيقة بشكل ثلاثى الأبعاد لأى ثقوب أو شروخ أو كهوف في الصخرة الأم للقلعة.
وأكد أن التقرير عن المرحلتين الأولى والثانية يمثل ناقوس خطر، وضعه المعهد في يد المختصين بوزارة الآثار؛ للبدء الفوري في إنقاذ القلعة من خطر الانهيار المحقق، في حال استمر الوضع كذلك، مع التركيز على الصخرة الأم.
وأشار “عباس”، إلى أن هناك 5 تجاويف أسفل الناحية الشرقية والشمالية الشرقية للقلعة، مطالباً بتدخل سريع من خلال وضع حلول علمية استباقية لتكسير الأمواج، وحقن التجاويف، التى تم رصدها، حتى لا يتأثر ثبات القلعة ذاتها.
أحمد عبدالفتاح، مستشار المجلس الأعلى للآثار، عضو اللجنة الدائمة لحماية الآثار، قال إن الخطر الأكبر الذي يهدد بانهيار القلعة، هو وجود كهوف كثيرة أحدثتها الأمواج والتيارات البحرية النشطة داخل جسمها، مؤكدا أن الأمر في غاية الخطورة، ويستلزم تدخل عاجل من المختصين؛ لحماية الأثر الإسلامي الأهم في الإسكندرية.
وأشار “عبد الفتاح”، إلى أن القلعة تم تشيدها في عهد السطان المملوكي “قيتباي”، في موقع فنار الإسكندرية المنهار، حيث أقيمت على صهاريج مياه ضخمه وممرات، قبل أن يتم قصفها من جانب الأسطول البريطاني، إبان الثورة العربية، مما أدى لتدمير أجزاء كبيرة منها، وتم ترميمها في وقت لاحق.
ولفت “عبد الفتاح”، إلى أن جميع الترميمات التي تمت للقلعة منذ ذك الوقت، كانت تتم لجسمها العلوي فقط، دون النظر للصخرة والأساسات التي تحملها؛ لأسباب عديدة، من بينها تجاهل الخطورة الناتجة عن ضعف الصخرة الأم، وكذلك بسبب ضعف الإمكانات الأثرية.