الفئات المهمشة… بقلم : أستاذ دكتور/ محمد إبراهيم طه أستاذ أصول التربية – جامعة طنطا

الفئات المهمشة

بقلم : أستاذ دكتور/ محمد إبراهيم طه

أستاذ أصول التربية- جامعة طنطا

 

تعد مشكلة الفئات المهمشة من أهم القضايا وأخطرها لتداخل أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولتزايدها باطراد واستفحالها في بلدان نامية ومتقدمة، ولذلك فهي مشكلة عالمية تطورت إلى ظاهرة تفرض نفسها وتستقطب اهتمام المعنيين بالتنمية البشرية وحقوق الإنسان. ويشير مصطلح الفئات المهمشة إلى مجموعة من الناس تُعّْد الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المعاكسة مسئولة عن تهميش وجودها، وتحديد دورها في المجتمع, وتعد الهامشية هي الوجه الآخر للفقر والحرمان وانعدام العدالة الاجتماعية، وتوجد فى الريف والحضر. كما يشير مصطلح الفئات المهمشة إلى انخفاض مستوى التعليم ، وانتشار الأمية قياساً بالفئات الأخرى من غير المهمشين حيث تنظر تلك الفئات إلى أولوية لقمة العيش أولاً ثم التعليم، ويقوم الرجال والنساء وكذلك الأطفال بأعمال مؤقتة وهامشية، وأن الدخول الذى يحصل عليها هؤلاء الأفراد متدنية، ولا تفي باحتياجات الأسرة الأساسية؛ وفي أحيان كثيرة يقل دخل الأسرة المهمشة عن خط الفقر. كما تعاني الفئات المهمشة من  الفقر من جهة، وتدني الخدمات الصحية من جهة أخرى، فهم يشكون من تردي أوضاعهم الصحية بسبب إقامتهم في أحياء ومناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية العامة، وإلى الخدمات الصحية الضرورية مقارنة بالأحياء التي تعيش فيها بقية الفئات الأخرى التي تتوفر لهم الخدمات الجيدة، انتشار الأمراض بالإضافة إلى تزايد وفيات الأطفال والأمهات الحوامل, وكذلك سوء التغذية بشكل عام، وتسكن الفئات المهمشة في الغالب في أحياء هامشية وعشوائية مبنية من الصفيح والبلك كما فى عشوائيات مصر، وتشعر الفئات المهمشة بالاغتراب عن الثقافة الحضرية المحيطة وعن الجماعات الأخرى من حولها، ويعود ذلك إلى عجز الدولة عن استيعابهم، ودمجهم في المجتمع بدلاً من تركهم على هامش الحياة الحضرية كبؤرة للفقر والجريمة والأمراض الفتاكة. كما يلاحظ ارتفاع نسبة البطالة بين الفئات المهمشة قياساً بالفئات الاجتماعية الأخرى إضافة إلى انخفاض دخول من يعمل منهم، وارتفاع معدل الإعالة في أوساطهم ويلجأ بعضهم إلى التسول بسبب البطالة، وانخفاض أجور الأعمال الهامشية التي يقومون بها.

يتضح مما سبق أنه لا يوجد تعريف محدد للفئات المهمشة نظراً لتعدد الأسباب والعوامل التى آلت إلى ظهور الظاهرة الاجتماعية.

ولقد رصدت الدراسات فى مجال الفئات المهمشة أسباب تلك الظاهرة. وكانت الأسباب هى كما يلى:المشكلات الاجتماعية: كالحروب الداخلية والخارجية، والهجرة من الريف إلى المدينة، والمشكلات الاقتصادية: كالفقر، والبطالة، مما ينتج عنه تدنى المستوى الاقتصادى لأقصى حد يمنع الفرد عن العيش حياة كريمة مما يجعله عرضه للقيام بسلوكيات يرفضها المجتمع كالتسول، والسرقة، والجريمة، والمشكلات الأسرية: كالتفكك الأسرى بالطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو تعدد الزوجات، وضعف التوجيه والتربية والرقابة، والخلافات والمشاحنات بين الزوجين وانتشار العنف ضد النساء، وأساليب التنشئة الاجتماعية اللاسوية: منها سوء معاملة الأطفال، وردود الفعل العنيفة من الوالدين على سلوكهم الذي يصل إلى حد التعذيب المحدث إصابات خطيرة هذه القسوة المبالغ فيها تدفع الأطفال إلى الهروب من البيت وإلى قضاء أوقات طويلة في الشارع والمبيت في الخارج، وظاهرة التسرب من الدراسة، والمشكلات التعليمية: كتدني الوعي الثقافي لدى الآباء والأمهات في أهمية المدرسة للأطفال ومستقبلهم، قوة العادات والتقاليد القبلية فى فرض تدنى قيمة تعليم المرأة.

وعلى الرغم من وجود اتفاقيات دولية تضمن حماية الأفراد، لا يزال العديد ممن يعانون كل مظاهر الانتهاك لحقوقهم الأساسية إذ تعاملت العديد من المجتمعات مع  العديد من الظواهر السلبية الاجتماعية فى تجاهل تام عبر الإبادة والقتل، وهذه هى الحقيقية المرة التى سببت انفجار أعداد كبيرة من المهمشين، دون النظر إلى أسباب المشكلات أو تلك الظواهر الاجتماعية، ثم وضع خطط ممنهجة لوضع الحلول لها، وتنفيذها فى ضوء امكانات الدولة.

ولقد أصبحت تلك المشكلات لا تهم مجتمع محدد بل باتت تؤرق البشرية أجمع. نظراً لما لها من تأثير على الحياة بجميع أشكالها. فإذا كانت للدول حدود، فالمشكلات الناتجة عن سوء التخطيط والإدارة والتهميش فى حق استغلال قدرات الإنسان باتت تخترق الحدود لما ترتب عليها من المشكلات كانتشار الجريمة، والانحرافات السلوكية، والأخلاقية فى المجتمعات، وأصبح الضرر لا يمس شخص بعينه بل تعداه ليشمل جميع الأفراد مما يستهدف الأجيال اللاحقة.

إننا بحاحة إلى الآليات التشريعية لتلبية حاجيات تلك الفئات، وتحتاج الفئات المهمشة إلى احتياجات عديدة، وتتمثل وتترتب الاحتياجات الأساسية حسب الأولوية كما يلى: تحسين السكن والخدمات الأساسية في الأحياء التي يعيشون فيها، وتوفير الغذاء الضروري، وتوفير فرص العمل، وإيجاد الخدمات الصحية، وتوفير الخدمات التعليمية، وتوفير القروض الضرورية لبناء المساكن، وإقامة المشروعات الصغيرة، وإدخال الرعاية الاجتماعية للأسر والأطفال والمسنون بما في ذلك مشروعات الضمان الاجتماعي.

وفى ظل الأوضاع الراهنة تواجه مصر تحديات أكبر فى سبيل الإصلاح والتقدم. وفى سبيل تحقيق الإصلاح لابد من وضع سلسلة من البرامج والخدمات والأنشطة الفردية الموجهة نحو تحقيق أهداف محددة على رأسها دمج الفرد في الحياة العامة للمجتمع من النواحي الاجتماعية والوظيفية والمهنية وغيرها، والتى تهدف إعادة بنائهم الخلقى، والتعليمى من خلال المؤسسات التربوية من خلال عملية إدماج وتفعيل دورهم ذوي داخل المجتمع في الظروف والسياقات الاجتماعية المختلفة والمهيأة لهم، والتي وضعت قيود وعقبات ضد دمجهم في فعاليات الحياة الاجتماعية.

كما يتطلب الإصلاح المجتمعى تشكيل لجنة فنية استشارية دائمة من متخصصين وخبراء فى العمل بالجمعيات الأهلية وذلك لتفعيل وتنفيذ تلك البرامج والخدمات من خلال آلية محددة ومشروع تنفيذى تستفيد منه مصرنا الحبيبة مع مراعاة البعد الاجتماعى، والاقتصادى، وطبيعة تلك الفئات، ودينامياتها أثناء إقامة وتنفيذ المشروع المقترح بما يحفظ حقوق الإنسان لجميع أفراد المجتمع داخل المجتمع المصرى.

وفى إطار مفهوم التنمية المستدامة ننظر لتلك الفئات من منظور الرؤية الشاملة والمتعددة التي تعني بالتنمية الاقتصادية بتأمين مستوى لائق من العيش حاضراً ومستقبلاً، والارتقاء بقدرات المجتمع  من خلال تقديم نموذج للتنمية يعني بالبيئة ويحترمها، عن طريق تيسير الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، من خلال مناقشته القضايا البيئية وعلاقتها بالفقر وغياب التنمية.

كما يهدف الإصلاح المجتمعى فى ظل التنمية المستدامة إلى تنمية شاملة لكل القطاعات المؤمنة لاستمرارية جميع النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والإدارية، والصناعية، والزراعية، والإعلامية، والثقافية، ومن ثم تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.

 

 

شاهد أيضاً

كحلها عماها بقلم / على الشرقاوى

كحلها عماها بقلم / على الشرقاوى     الكاتب الكبير الأستاذ حلمى النمنم وزير الثقافة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *